شهدت المملكة العربية السعودية تطورًا تشريعيًا متسارعًا في القطاع التجاري، دعمًا لرؤية المملكة 2030، بهدف تعزيز بيئة الأعمال ورفع كفاءة المنظومة الاقتصادية. ومن بين هذه الأنظمة الحديثة نظام الرهن التجاري، الذي صدر لدعم النمو الاقتصادي، وتمكين المنشآت من الحصول على التمويل بضمان أصولها المنقولة، مع ضمان حقوق الدائنين والممولين.
يُعد الرهن التجاري من الوسائل القانونية المهمة لتعزيز الثقة بين أطراف العلاقة التجارية، وضمان استمرارية التمويل والإنتاج في السوق السعودي، مما يعكس دوره كأداة محورية في حماية الحقوق وتحفيز النشاط التجاري.
أولًا: تعريف الرهن التجاري
يعرف الرهن التجاري بأنه:
“عقد يخصص بموجبه المدين أو كفيله مالاً منقولاً ضمانًا لدين، بما يشمل التعديلات أو الإضافات التي تطرأ عليه.”
ويقصد بالمال المنقول: كل مال مادي أو معنوي قابل للنقل، حاليًا أو مستقبليًا، بما يشمل الحقوق المرتبطة به. أما المال المستقبلي، فيشمل ما لم يوجد بعد، أو ما وُجد ولم يكتمل امتلاك الراهن له عند إنشاء عقد الرهن، مثل الأصول المتعاقد على إنشائها.
ثانيًا: مكونات عقد الرهن التجاري
ينبغي أن يُبرم عقد الرهن التجاري كتابة، ويتضمن البيانات التالية:
- بيانات الأطراف: وتشمل اسم الراهن، المرتهن، المدين (إن لم يكن الراهن هو المدين)، العدل إن وجد، مع تحديد الحائز للمال المرهون، وعناوين الأطراف ووسائل التواصل.
- وصف المال المرهون: حالته، قيمته عند التعاقد، وإذا كان مالًا مستقبليًا يجب تحديد أوصافه المتوقعة وتاريخه التقريبي وقيمته التقديرية.
- وصف الدين المضمون: تحديد مقداره أو وصفه أو الحد الأقصى له بحسب الحال.
- تاريخ العقد: تحديد تاريخ إبرام عقد الرهن.
- ميعاد استحقاق الدين: تحديد موعد أو تقدير الميعاد المتوقع للاستحقاق.
ثالثًا: خصائص الرهن التجاري
يتميز الرهن التجاري بعدة خصائص، منها:
تحفيز التمويل: تمكين المنشآت من الاستفادة من أصولها التشغيلية للحصول على تمويل دون التفريط فيها.
تعزيز بيئة الأعمال: دعم استقرار التعاملات التجارية وتطوير البنية التشريعية للاقتصاد.
ضمان حقوق الدائنين: تمكين الدائن من التنفيذ على المال المرهون في حال الإخلال بالسداد.
إمكانية رهن الأصل لأكثر من جهة: بما في ذلك الأموال المستقبلية، مما يوسع الخيارات التمويلية.
تحسين التصنيف الائتماني للمملكة: من خلال إسهام النظام في رفع ترتيب المملكة في المؤشرات الدولية.
رابعًا: الأموال القابلة للرهن التجاري
يجيز النظام رهن الأصول التالية:
- المؤسسات والمحال التجارية بكافة عناصرها المادية والمعنوية.
- المعدات والآلات المستخدمة تجاريًا أو صناعيًا.
- البضائع والمخزون.
- الأوراق التجارية (الشيكات، الكمبيالات، السندات).
- الذمم المدينة والحقوق المالية.
- الأسهم والحصص في الشركات.
خامسًا: الأحكام النظامية للرهن التجاري
المادة الرابعة:
- نفاذ عقد الرهن: يكون نافذًا في مواجهة الغير عند تسجيله في السجل الموحد أو بانتقال الحيازة للمرتهن أو العدل.
- الحيازة كوسيلة وحيدة: في بعض الحالات المحددة نظامًا.
- رهن عروض التجارة: لا ينفذ في مواجهة الغير إلا بانتقال الحيازة، باستثناء الرهن العائم فيكتفى فيه بالتسجيل.
المادة العاشرة:
- ضمان الدين كاملًا: يعد المال المرهون ضامنًا لكامل الدين ما لم يُتفق على خلاف ذلك.
- رهن جزء من المال: يمكن رهن جزء مشاع من المال المنقول حتى لو تعذر فرزه.
المادة الحادية عشرة من اللائحة التنفيذية:
- تقييم المال المرهون: يتم وفق ما يتفق عليه الطرفان، وفي حال عدم الاتفاق:
- يعين كل طرف مقيمًا معتمدًا ويعتمد متوسط التقييمين.
- في حال عدم تعيين أحد الأطراف لمقيم خلال عشرة أيام من الإخطار، يعتمد تقييم المقيم المعين.
- يلتزم المقيم بالقواعد المعتمدة من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين.
سادسًا: السجل الموحد للرهون التجارية
يُدار السجل الموحد للرهون التجارية تحت إشراف وزارة التجارة، ويتيح:
- تسجيل عقود الرهن.
- تقديم طلبات التعديل أو الإلغاء.
- إصدار المستندات التنفيذية إلكترونيًا.
ويسهم السجل في تعزيز الشفافية وتقليل النزاعات، وتسهيل الإجراءات للمنشآت والأفراد.
يُعد نظام الرهن التجاري السعودي إطارًا قانونيًا متكاملًا يدعم القطاع التمويلي والتجاري، من خلال تمكين المنشآت من الحصول على التمويل بضمان أصولها، مع حفظ حقوق الدائنين، وتقليل النزاعات بآليات تنفيذ واضحة وسريعة.
لم يُنشأ النظام كوسيلة لضمان الديون فقط، بل كأداة استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي واستقرار السوق التجاري، وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال بالمملكة، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويمنح دفعة قوية لتطوير قطاع الأعمال وتمكين المنشآت من تحقيق استدامتها المالية.