أولًا: الإطار التشريعي والتنظيمي لنظام الجمارك في السعودية
تُعد المملكة العربية السعودية جزءًا من منظومة نظام الجمارك الموحّد لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي يُطبّق استنادًا إلى المرسوم الملكي رقم (م/41) وتاريخ 3/11/1423هـ، وقرار مجلس الوزراء رقم (241) بتاريخ 26/10/1423هـ. ويشكّل هذا النظام المرجعية القانونية لتنظيم حركة دخول وخروج البضائع عبر المنافذ الحدودية، حيث تخضع جميع السلع، عند الاستيراد أو التصدير، لأحكام هذا النظام، بما يعزز الحوكمة الجمركية ويضمن حماية السيادة الاقتصادية للدولة.
وتتولى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تنفيذ أحكام النظام عبر الدوائر الجمركية المنتشرة في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وتُمنح الصلاحيات للجهات المختصة في إنشاء أو إلغاء تلك الدوائر، وتحديد ساعات عملها بما يتماشى مع متطلبات التجارة والنقل.
ثانيًا: الرسوم الجمركية وآلية تحصيلها
تشكل الرسوم الجمركية مصدرًا هامًا للدخل العام، حيث تُفرض على البضائع المستوردة وفق التعرفة الجمركية الموحدة، باستثناء الحالات المعفاة نظامًا أو بموجب اتفاقيات دولية.
أنواع الرسوم الجمركية:
- رسوم نوعية تُحسب بناءً على وحدة الكمية.
- رسوم مئوية تعتمد على نسبة من القيمة.
- رسوم مختلطة تشمل النوعية والمئوية معًا.
مبادئ التحصيل:
- تعتمد على تاريخ تسجيل البيان الجمركي.
- يُراعى في التقدير قيمة البضائع، حالتها، وفواتيرها الأصلية.
- تُفرض رسوم مضاعفة على البضائع محل التهريب أو المخالفات.
ثالثًا: الرقابة على حركة البضائع عبر الحدود
يُلزم النظام جميع المتعاملين بتقديم بيانات جمركية دقيقة لكل بضاعة تُدخل أو تُخرج من المملكة، مع حظر مرور أو تداول البضائع المقيدة أو الممنوعة دون ترخيص من الجهات المختصة، كما تُشترط المنافذ المعتمدة لعبور وسائل النقل البرية والجوية والبحرية.
رابعًا: تقييم البضائع وتصنيفها
لتطبيق التعرفة بدقة، يوجب النظام ما يلي:
- إثبات المنشأ عبر شهادات موثقة.
- تحديد القيمة الجمركية استنادًا إلى فواتير رسمية وتكاليف الشحن.
- تصنيف البضائع وفق النظام الدولي لتصنيف السلع (HS Code) لمنع التلاعب.
خامسًا: إجراءات التخليص الجمركي والمعاينة
المراحل الأساسية:
- تقديم البيان الجمركي عبر النظام الإلكتروني.
- استكمال الوثائق النظامية أو تقديم ضمانات مؤقتة.
- المعاينة الجزئية أو الكلية من قبل موظفي الجمارك.
- الفحص والتحليل أو الإتلاف عند عدم المطابقة.
تتم الإجراءات بحضور المالك أو من ينوب عنه، وتُحمّل الجهة المالكة مسؤولية نقل البضائع وفتح الطرود. ويمكن الاعتراض على نتائج المعاينة من خلال آليات التظلم النظامية.
سادسًا: الأوضاع المعلقة للرسوم الجمركية
يوفر النظام تسهيلات خاصة في حالات النقل العابر أو الإدخال المؤقت، دون الإضرار بالحقوق المالية للدولة.
أهم الأوضاع المعلقة:
- العبور (ترانزيت): وفق كفالة وضوابط محددة.
- المستودعات الجمركية: إيداع البضائع بدون دفع الرسوم.
- المناطق والأسواق الحرة: حركة السلع دون رسوم، باستثناء المواد المحظورة.
- الإدخال المؤقت: للسماح باستخدام المعدات أو البضائع لفترات محددة، ثم إعادة تصديرها.
- إعادة التصدير: استرداد كلي أو جزئي للرسوم حال إعادة التصدير.
سابعًا: الإعفاءات الجمركية
ينظم النظام أنواع الإعفاءات الممنوحة لبعض الجهات أو البضائع، ومن أبرزها:
- الدبلوماسيين والمنظمات الدولية.
- القوات المسلحة وقوى الأمن.
- الأمتعة الشخصية والهدايا.
- الجمعيات الخيرية.
- البضائع المعادة أو المعدلة في الخارج.
ويُشترط في جميع الإعفاءات وجود ضوابط زمنية وإدارية واضحة، مع منح المدير العام صلاحية الفصل في الخلافات المتعلقة بتطبيق الإعفاء.
ثامنًا: دور المخلص الجمركي وتنظيم مهنته
تعريفه ومهامه:
المخلص الجمركي هو شخص طبيعي أو اعتباري مُرخص له بتمثيل الغير أمام الدوائر الجمركية، ويشمل عمله:
- إعداد وتقديم البيانات الجمركية.
- إنهاء إجراءات التخليص.
- دفع الرسوم والتعامل مع المعاينات.
الترخيص والصلاحيات:
- يُشترط ترخيص رسمي لمزاولة المهنة.
- يحق للمالك أو المخلص التصريح عن البضائع بموجب تفويض قانوني.
- يتحمل المخلص المسؤولية القانونية الكاملة عن جميع الإجراءات التي يباشرها هو أو من ينوب عنه.
المساءلة والانضباط:
- تُفرض عقوبات تشمل: الإنذار، الغرامة، الإيقاف، أو سحب الترخيص.
- يلتزم المخلص بالاحتفاظ بسجلات المعاملات لمدة خمس سنوات.
- مسؤول عن المخالفات والتهريب المرتبطة ببياناته أو موظفيه المفوضين.
تاسعًا: آلية تقديم طلب الإعفاء الجمركي الصناعي
للحصول على إعفاء جمركي صناعي في السعودية، تتبع المنشأة الخطوات التالية:
- الدخول على موقع وزارة الصناعة والثروة المعدنية.
- التوجه إلى منصة صناعي.
- اختيار خدمة طلب الإعفاء الجمركي.
- إدخال البيانات، وإرفاق المستندات اللازمة.
- إرسال الطلب إلكترونيًا لاستكمال الإجراء.
:
يمثل النظام الجمركي السعودي أحد الركائز المحورية للحوكمة الاقتصادية، إذ يجمع بين الصرامة في الرقابة والعدالة في التحصيل، وبين المرونة في التسهيلات الجمركية والانضباط التشريعي. وقد ساهم تبنّي آليات مثل الأوضاع المعلقة، والإعفاءات النظامية، وتنظيم التخليص الجمركي، في جعل المملكة مركزًا إقليميًا جذابًا للتجارة والاستثمار.
ومع الدور المحوري للمخلص الجمركي كممثل قانوني للتجار، أرسى النظام إطارًا متوازنًا لتنظيم المهنة، بما يحقق الشفافية والرقابة دون تعطيل المصالح التجارية. وبذلك، فإن الجمارك السعودية تُعد أداة استراتيجية لا تقتصر على الجانب المالي، بل تتجاوز ذلك لتشكل ضمانة أمنية واقتصادية تواكب تطلعات رؤية المملكة 2030.