يُعد نظام التوثيق من الركائز القانونية المهمة في المملكة العربية السعودية، إذ يهدف إلى تنظيم وتوثيق المعاملات القانونية والإجراءات الرسمية بما يعزز من حماية الحقوق وتحقيق العدالة بين الأفراد. لا يقتصر التوثيق على حفظ المعلومات، بل يُعد وسيلة لضمان الحقوق وإثباتها، ويُسهم في استقرار التعاملات المالية والاجتماعية والقانونية. وقد استند النظام في جوهره إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، التي أكدت على مبدأ الكتابة بالعدل، استدلالًا بقوله تعالى: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾، بما يعكس أهمية التوثيق في تعزيز الأمن القانوني وتحقيق العدالة.
أولًا: الأحكام العامة
أكدت المادة الثانية من النظام على ضرورة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها عند ممارسة أعمال التوثيق، مما يعكس التزام النظام بالقيم الدينية والاجتماعية ويعزز من موثوقية الإجراءات القانونية وحماية الحقوق.
ثانيًا: كتابة العدل وكُتاب العدل
- تنظيم كتابات العدل
تناولت المادة الثالثة إنشاء كتابات العدل وتحديد اختصاصاتها، مع إسناد تنظيمها إلى وزير العدل، بما يعكس الدور التنظيمي المهم للوزارة في هذا المجال.
- شروط تعيين كاتب العدل
حددت المادة الرابعة شروط تعيين كاتب العدل، ومنها:
- الجنسية السعودية.
- حسن السيرة والسلوك.
- الحصول على شهادة جامعية في تخصص الشريعة أو ما يعادلها.
وهذه الشروط تهدف إلى ضمان النزاهة والكفاءة في أعمال كُتاب العدل.
- تصنيف وظائف كُتاب العدل
نصت المادة السادسة على تصنيف وظائف كُتاب العدل إلى عدة درجات (د، ج، ب، أ) بالإضافة إلى تصنيف رؤساء كتابات العدل، بما يعكس تنوع المهام والاختصاصات.
ثالثًا: اختصاصات كُتاب العدل
حددت المادة الحادية عشرة اختصاصات كُتاب العدل والتي تشمل:
- توثيق العقود والإقرارات (كالزواج والطلاق والحضانة والنفقة).
- إنشاء الوقف والوصية.
- توثيق إقرارات التعويض وإقرارات ذوي الشأن ممن لا يحسنون القراءة.
- التصديق على شهادات الشهود.
- إفراغ صكوك الملكية العقارية وصكوك الاستحكام المستكملة للإجراءات النظامية.
وتعكس هذه الاختصاصات الدور المهم لكُتاب العدل في تنظيم الحياة الاجتماعية والقانونية.
رابعًا: الموثق ومكاتب التوثيق
تناولت المادة الرابعة عشرة شروط تعيين الموثق، ومنها:
- الحصول على شهادة جامعية.
- اجتياز الامتحانات المهنية.
- حسن السيرة والسلوك.
- اللياقة الصحية وسلامة الحواس.
- عدم الحكم عليه في جريمة مخلة بالدين أو الشرف.
كما نصت المادة الخامسة عشرة على اختصاصات الموثق، والتي تشمل:
- توثيق العقود الواقعة على الأموال المنقولة.
- توثيق إقرارات الكفالة الغرمية والإقرارات المالية وتسلمها والتنازل عنها.
خامسًا: مأذونو عقود النكاح
وفق المادتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، يُعهد إلى المأذون توثيق عقود النكاح وفق لائحة النظام، مع اشتراط:
- الجنسية السعودية.
- حسن السيرة والسلوك.
- اللياقة الصحية.
- عدم صدور حكم في جريمة مخلة بالدين أو الشرف.
ويهدف ذلك إلى ضمان تنظيم العلاقات الأسرية بما يحقق العدالة ويحفظ الحقوق.
سادسًا: الواجبات والمحظورات
نصت المادة السادسة والعشرون على منع ممارسة أعمال التوثيق دون رخصة نظامية لضمان النزاهة. كما حظرت المادة التاسعة والعشرون على كاتب العدل توثيق المعاملات التي يكون له أو لزوجه أو لأصوله أو فروعه أو من تحت ولايته مصلحة فيها، حمايةً لنزاهة العملية التوثيقية.
سابعًا: حجية الوثائق وحمايتها
أكد النظام على أن الوثائق الصادرة بموجب النظام تتمتع بقوة الإثبات وتُعد سندات تنفيذية يُعمل بها أمام المحاكم دون حاجة لبينة إضافية، ولا يجوز إلغاؤها إلا بحكم قضائي نهائي وفق المادة الحادية والأربعين، مما يعزز استقرار المعاملات وحماية الحقوق.
ثامنًا: العقوبات
حددت المادة الثامنة والأربعون العقوبات التأديبية في حالة المخالفات وتشمل:
- اللوم.
- الحسم من الراتب.
- الحرمان من العلاوة.
- الفصل.
كما يعاقب النظام بالسجن مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائة ألف ريال أو بهما معًا، من ينتحل صفة الموثق أو يمارس أعمال التوثيق دون ترخيص، بما يعكس صرامة النظام في حماية مهنة التوثيق.
تاسعًا: إشراك القطاع الخاص
نصت المادة الثالثة والخمسون على جواز إسناد بعض أعمال التوثيق إلى القطاع الخاص، بما يعزز كفاءة الخدمات وسرعة إنجازها ضمن ضوابط نظامية تحقق مصلحة المستفيدين.
يمثل نظام التوثيق السعودي إطارًا نظاميًا متكاملًا ينظم عمليات التوثيق بكافة أنواعها لضمان حماية الحقوق وتحقيق العدالة في المعاملات القانونية والاجتماعية. ومن خلال تحديد الأدوار والاختصاصات والضوابط النظامية الصارمة، يعزز النظام الثقة في البيئة القانونية في المملكة، ويسهم في تحقيق استقرار المعاملات وسرعتها وفق مبادئ الشريعة والأنظمة المرعية، انسجامًا مع أهداف المملكة في رفع كفاءة الأنظمة العدلية وتعزيز بيئة العدالة.