يُعد نظام الإثبات أحد الأنظمة الأربعة الجوهرية التي وعد بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – ضمن مشروع تطوير منظومة التشريع في المملكة، لتعزيز الثقة والشفافية في القطاع القضائي، وتشمل هذه الأنظمة:
نظام الأحوال الشخصية.
نظام المعاملات المدنية.
نظام العقوبات.
نظام الإثبات.
وقد ساهمت هذه الأنظمة في إحداث نقلة نوعية في القضاء السعودي، من خلال تضييق باب الاجتهاد، وتوحيد المعايير، وتوضيح الأحكام قبل رفع النزاعات للمحاكم، بما يعزز استقرار النظام القضائي ويحفظ الحقوق.
أهمية النظام في العلاقات التعاقدية والقضائية
لا يقتصر تطبيق نظام الإثبات على مرحلة النزاع، بل يعد أداة وقائية تنظم العلاقات التعاقدية قبل الدخول في النزاعات القضائية، لتحقيق مبدأ “الوقاية خير من العلاج”.
يُمكّن المحامين والأطراف من وصف الوقائع وصفًا صحيحًا وإلحاقها بالنصوص النظامية ذات الصلة قبل رفع الدعوى، مما يسهم في تحقيق العدالة الناجزة.
صدور النظام وتطوره
صدر نظام الإثبات بموجب المرسوم الملكي رقم (م/43) بتاريخ 26/5/1443هـ، ليشكل مرحلة جديدة في تنظيم الإجراءات والأحكام القضائية في المملكة، من خلال:
ترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة.
تحسين إمكانية التنبؤ بالأحكام القضائية.
رفع مستوى الشفافية في بيان الأدلة المعتبرة.
توحيد تطبيق الأدلة لدى جميع القضاة، مما يعزز استقرار الالتزامات التعاقدية والثقة في القضاء.
مرجعية النظام في الشريعة الإسلامية
يستند النظام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية:
حيث نص النظام الأساسي للحكم على أن المملكة تستند إلى الكتاب والسنة.
نصت المادة الأولى من نظام المرافعات الشرعية على التزام المحاكم بتطبيق أحكام الشريعة وما لا يتعارض معها من أنظمة صادرة من ولي الأمر.
أصول الإثبات في القضاء مستمدة من السنة النبوية، مثل الحديث: “البينة على المدعي، واليمين على من أنكر”، وهو ما اعتمد عليه النظام في المادة (2/1).
وسائل الإثبات في النظام
نص النظام على وسائل الإثبات الآتية:
الكتابة
- قُسمت إلى محررات رسمية ومحررات عادية، وألحق بها الأدلة الرقمية مع منحها نفس حجية الكتابة.
- نصت المادة (55) على حجية الكتابة بعد التأكد من صدورها من الشخص.
الإقرار
- يعد سيد الأدلة، حيث نصت المادة (17) على أن الإقرار حجة قاطعة على المقر وحده، سواء كان قضائيًا أو غير قضائي.
الشهادة
- تُعد الكتابة الأصل في الإثبات، بينما تأتي الشهادة تالية لها.
- قلل النظام من الاعتماد على الشهادة في المسائل المالية الكبيرة، مثل تحديد حد (100 ألف ريال) وفق المادة (66).
اليمين
- أشار النظام إلى أنواعها: اليمين الحاسمة واليمين المتممة وفق المادة (92).
- تعد اليمين وسيلة مهمة ولكنها لا تُقبل إلا إذا طلبها القاضي وأداها المدعى عليه وفق الصيغة النظامية (المادة 95/2).
الخبرة
- نظم النظام شروط وآلية تعيين الخبير، مع عدم إلزام المحكمة بالأخذ برأي الخبير ما لم تقتنع به، مع ضرورة تسبيب رفض رأيه (المادة 121).
العرف
- نصت المادة (88) على إمكانية بناء الحكم القضائي على العرف ما لم يوجد نص أو اتفاق مخالف له.
المعاينة
- تستخدم لإثبات الحالات المستعجلة التي يُخشى فواتها، وتوثق من موظف مختص وتعتبر كالمحررات الرسمية.
القرائن وحجية الأمر المقضي
- تستخدم القرائن كوسائل مساعدة، وتكتسب قوتها بتراكمها لا بانفرادها.
- الأحكام القضائية بعد اكتسابها القطعية تصبح حجة في الواقعة المقضي بها ولا يُقبل دليل معارض لها.
أثر النظام على القضاء السعودي
وحّد النظام المعايير القضائية في التعامل مع الأدلة وأدوات الإثبات.
قلل التباين بين الأحكام والاجتهادات القضائية.
ساعد في تسريع الفصل في المنازعات.
عزز الشفافية في التعاملات التعاقدية قبل النزاع.
أرسى بيئة قضائية مستقرة تحمي الحقوق وتحقق العدالة الناجزة.
يُعد نظام الإثبات ركنًا أساسيًا في بناء الأحكام القضائية في المملكة، حيث لا تعتمد المحاكم على العواطف أو السرد القصصي في النزاعات، بل تُبنى الأحكام على الأدلة المقدمة من الأطراف.
لذا يجب على جميع المتعاملين والشركات الالتزام بإثبات حقوقهم بالعقود المكتوبة، والابتعاد عن الوعود الشفهية، واستخدام النظام وقائيًا في كافة تعاملاتهم لضمان حقوقهم وتقليل النزاعات القضائية.