تُعد المستندات من أهم وسائل الإثبات في النظام القضائي السعودي، إذ تمثل أدلة مكتوبة يعتمد عليها الخصوم لإثبات الحقوق أو نفي ما يُدعى ضدهم. وفي العديد من النزاعات، قد تكون بعض المستندات الحاسمة بحيازة الخصم، مما يضطر الطرف الآخر إلى رفع دعوى قانونية خاصة تُسمى “دعوى المطالبة بمستندات“.
تهدف هذه الدعوى إلى تمكين أحد الأطراف من الوصول إلى مستندات يعتقد بأنها ضرورية للفصل في النزاع، مع خضوعها للضوابط والشروط المنصوص عليها في نظام الإثبات السعودي، بما يحقق التوازن بين حق الخصم في الاطلاع على المستندات اللازمة، وحماية سرية المعلومات لدى الخصم الآخر.
أولًا: تعريف دعوى المطالبة بمستندات
يقصد بـ دعوى المطالبة بمستندات الدعوى التي يتقدم بها أحد الخصوم إلى المحكمة طالبًا إلزام خصمه بتقديم مستند محدد تحت يده يرى أنه ضروري لحسم النزاع.
وهي تختلف عن دعوى المطالبة بالحق، إذ لا يطالب المدعي فيها بحق مالي أو عيني، بل يقتصر طلبه على تمكينه من الاطلاع على المستند اللازم لإثبات دعواه أو دحض ادعاءات الخصم.
ثانيًا: الأساس النظامي لدعوى المطالبة بمستندات
نظم نظام الإثبات السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/43) بتاريخ 26/5/1443هـ الحق في رفع دعوى المطالبة بالمستندات، حيث نصت المادة الثالثة عشرة على أنه:
“يجوز لأي من الخصوم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم مستند تحت يده إذا كان ذلك المستند مشتركًا بينهما، أو كان متعلقًا بموضوع الدعوى، أو إذا استند إليه خصمه في أي مرحلة من مراحل الدعوى.”
كما تناول النظام في مواده الأخرى الإجراءات والضوابط الخاصة بهذه الدعوى لضمان تحقيق العدالة، وعدم الإضرار بسرية المستندات، أو إخلال بحقوق الخصوم النظامية.
ثالثًا: شروط قبول دعوى المطالبة بمستندات
يشترط لقبول الدعوى أمام المحكمة تحقق الضوابط التالية:
- أن يكون المستند تحت يد الخصم:
لا تُقبل الدعوى إذا كان المستند المطلوب بحيازة جهة خارج نطاق الخصومة. - صلة المستند بموضوع الدعوى:
يشترط أن يكون المستند مرتبطًا بشكل جوهري بالنزاع القائم، سواء لإثبات الحق أو لدحض ادعاء الخصم. - أن يكون المستند مشتركًا أو استند إليه الخصم:
وفق المادة (13) يجب أن يكون المستند مشتركًا بين الطرفين أو سبق للخصم الاستناد إليه، ما يبرر طلب الاطلاع عليه. - بيان وصف المستند ومضمونه بدقة:
يلزم على مقدم الطلب تحديد نوع المستند، ومضمونه المحتمل، وسبب ضرورته للدعوى، ولا يُقبل الطلب إذا كان عامًا أو غامضًا.
رابعًا: الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى
لا تُقام دعوى المطالبة بالمستندات أمام جهة مستقلة، وإنما تُقدم ضمن الدعوى الأصلية المنظورة أمام المحكمة المختصة نوعًا ومكانًا، مثل:
- المحكمة العامة في القضايا المدنية.
- محكمة الأحوال الشخصية في قضايا النفقة أو الحضانة.
- المحكمة التجارية في النزاعات التجارية.
ويُقدم الطلب للقاضي أثناء نظر الدعوى الأصلية، ويصدر بشأنه قرار بالقبول أو الرفض وفقًا للضوابط النظامية.
خامسًا: حالات رفض دعوى المطالبة بمستندات
ترفض المحكمة الدعوى في الحالات التالية:
- إذا ثبت عدم صلة المستند بموضوع النزاع أو قدم الطلب لغرض الكيد أو التعطيل.
- إذا كان المستند يحتوي على أسرار مهنية (مثل السجلات الطبية أو المحاسبية) لا يجوز الإفصاح عنها نظامًا.
- إذا لم يتمكن مقدم الطلب من وصف المستند أو تبرير صلته بالدعوى.
- إذا تعارض الطلب مع أحكام السرية المنصوص عليها في الأنظمة الأخرى (مثل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أو النظام التجاري).
سادسًا: مثال تطبيقي
مثال توضيحي:
رفع أحد الشركاء دعوى أمام المحكمة التجارية يطالب فيها بحصته من أرباح شركة ذات مسؤولية محدودة، فأنكر الشريك الآخر وجود أرباح، فطلب المدعي من المحكمة إلزام خصمه بتقديم دفاتر الشركة وحساباتها البنكية، باعتبارها مستندات مشتركة بين الطرفين وذات صلة مباشرة بالنزاع.
وبناء على ذلك، قررت المحكمة قبول الطلب وفقًا للمادة (13) من نظام الإثبات، وألزمت الخصم بتقديم المستندات.
تُعد دعوى المطالبة بمستندات من الأدوات القانونية الهامة التي تكفل تحقيق التوازن بين أطراف الدعوى وتعزز العدالة، من خلال تمكين الأطراف من تقديم ما يدعم موقفهم القضائي.
وقد حرص المشرع السعودي في نظام الإثبات على تنظيم هذه الدعوى لضمان عدم التعسف في استخدامها، عبر وضع شروط واضحة لقبولها وآليات قانونية محددة للتعامل معها.
ويجب على الممارسين القانونيين الإلمام بضوابط هذه الدعوى سواء للدفاع عن موكليهم أو لحماية حقوقهم، لضمان سير العدالة وفق الإطار النظامي الصحيح وبما يحقق العدالة الناجزة في النظام القضائي السعودي.