تُعد جريمة الإساءة إلى الذات الإلهية من أشد الجرائم خطورة لما تمثله من مساس مباشر بجوهر العقيدة الإسلامية، وانتهاك صارخ لحرمة الدين، وتهديد لأمن المجتمع واستقراره. وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتصون الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، العرض، والمال، فجعلت حفظ الدين في طليعة مقاصدها، وأوجبت الزجر الحاسم لكل ما يسيء إلى الذات الإلهية، سواء قولًا أو فعلًا.
وتبعًا لذلك، تعامل النظام السعودي مع هذه الجريمة بصرامة، مؤكدًا على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، بوصفها مصدر التشريع الأساس وفقًا للنظام الأساسي للحكم. وفي هذا المقال، نسلط الضوء على الركائز النظامية والشرعية لهذه الجريمة، وبيان أركانها، والعقوبات المقررة لها، وأبرز المبادئ القضائية ذات الصلة.
أولًا: أركان جريمة الإساءة إلى الذات الإلهية
تُعد جريمة الاستهزاء بالله تعالى صورة من صور الردة، ولا تتحقق إلا بتوافر الأركان الثلاثة الآتية:
- الركن الشرعي
يتحقق بالاستناد إلى النصوص القطعية التي تحكم بحد الردة، ومن أبرزها قول النبي ﷺ:
“من بدل دينه فاقتلوه“ – رواه البخاري.
وقد انعقد الإجماع على أن من ثبتت ردته يستحق القتل حدًا، تحقيقًا لحماية العقيدة وردعًا للمتجاوزين.
- الركن المادي
يتمثل في وقوع فعل ظاهر أو قول صريح يدل على الاستخفاف بالله أو الاستهزاء بأوامره، مثل التلفظ بألفاظ كفرية، أو ممارسة شعائر شركية كالسجود لصنم، مع مراعاة الشروط الآتية:
- أن يكون الجاني عاقلًا، بالغًا، مختارًا.
- لا تقام الحدود على المجنون أو الصغير، إلا إذا كان يجن أحيانًا ويعقل أحيانًا، فإذا صدر الفعل حال الإفاقة ثبت الحد.
- الركن المعنوي
ويعني القصد الجنائي، أي أن يكون الفاعل متعمدًا للقول أو الفعل الكفري، عالمًا بما يصدر عنه، مدركًا أنه فعل يخرجه من الإسلام.
ثانيًا: العقوبات المقررة شرعًا ونظامًا
أ) العقوبات الشرعية
تقسم العقوبات في جريمة الردة (ومنها الإساءة إلى الذات الإلهية) إلى:
- العقوبة الأصلية (القتل حدًا):
تقام إذا ثبتت شروط الردة، مع الاستتابة أولًا، فإن أصر المرتد قُتل، تنفيذًا لقول النبي ﷺ:
“من بدل دينه فاقتلوه“ – البخاري.
- العقوبات التعزيرية:
إذا لم تتحقق شروط إقامة الحد، يجوز للقاضي توقيع عقوبة تعزيرية مناسبة، مثل الحبس، أو الغرامة، أو التوبيخ، ويُراعى فيها جسامة الجريمة وسوء نية الجاني. - العقوبات التبعية (مصادرة المال):
اختلف فيها الفقهاء:- القول الأول (المالكية، الشافعية، الحنابلة): مال المرتد فيء لبيت المال ولا يُورث.
- القول الثاني (الحنفية): يورث المال المكتسب حال الإسلام فقط، أما مال الردة فيؤول إلى بيت المال.
وقد استقر العمل القضائي في المملكة على المبدأ الأول، كما جاء في المبدأ القضائي رقم (1330):
“المقتول حدًا لردته لا يورث وماله فيء لبيت المال”.
ب) العقوبة النظامية في المملكة العربية السعودية
يستند النظام السعودي إلى الشريعة الإسلامية في كافة مواده، حيث تنص المادة (1) من النظام الأساسي للحكم على أن:
“دستور المملكة كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ”.
وبناء عليه، فإن عقوبة الإساءة إلى الذات الإلهية تطبق على النحو التالي:
- حد الردة: إذا استوفت الجريمة أركان الردة، تُطبق العقوبة الحدية.
- العقوبة التعزيرية:
وفقًا للمادة (6) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، يُعاقب كل من يمس القيم الدينية بالسجن حتى 5 سنوات، أو بغرامة تصل إلى 3 ملايين ريال، أو بإحداهما، إذا ارتكب الجريمة عبر وسائل تقنية.
وقد خصص المجلس الأعلى للقضاء الدائرة الأولى في المحاكم الجزائية للنظر في قضايا الردة، مما يؤكد التصنيف القضائي لهذه الجريمة كأحد أشكال الجرائم الكبرى الموجبة للحد.
ثالثًا: الرأي القانوني والتحليل الشخصي
تُعد جريمة الإساءة إلى الذات الإلهية من أخطر صور الانحراف العقائدي، ويتعذر تبريرها ضمن حرية التعبير أو الانفتاح الفكري، نظرًا لأنها تمس الأساس الذي يقوم عليه نظام الدولة والمجتمع.
ومن وجهة نظري القانونية، فإن الحزم في تطبيق الأحكام الشرعية بحق من يثبت عليه الجرم، يعد أمرًا ضروريًا لحماية المجتمع من الفوضى العقدية، كما أن فتح باب التوبة قبل تطبيق الحد يوازن بين تحقيق العدالة والرحمة، وهو ما يميز القضاء السعودي بدقته في التحقيق، وحرصه على التثبت.
رابعًا: الخاتمة والتوصيات
تؤكد الشريعة الإسلامية والنظام القضائي السعودي على أن الإساءة إلى الذات الإلهية ليست مخالفة عادية، بل جريمة كبرى تُعد من نواقض الإسلام، ويترتب عليها عقوبات حدية وتعزيرية، بحسب شروط تحقق الجريمة.
وقد تعامل القضاء السعودي مع هذه القضايا بمنهج يجمع بين الصرامة في حماية العقيدة، والرحمة في قبول التوبة، بما يحقق الأمن الديني والاستقرار الاجتماعي.
أبرز التوصيات:
- تفعيل البرامج التوعوية حول خطورة المساس بالذات الإلهية، وأثرها على الفرد والمجتمع.
- تثقيف النشء بالمفاهيم الشرعية الصحيحة وتعزيز قيمة التقديس واحترام العقيدة.
- تعزيز التنسيق بين الجهات العدلية والإعلامية لرصد أي محتوى مخل بالعقيدة.
- دعم القضاء في تطبيق الأحكام الشرعية بما يردع المعتدين ويمنع انتشار الفكر المنحرف.
إن هيبة العقيدة لا تُصان إلا بنظام قضائي قوي ومجتمع واعٍ، يرفض المساس بثوابته، ويحترم قدسية شعائره. والإساءة إلى الذات الإلهية، بصورها المختلفة، تمثل تحديًا مباشرًا لهذه الثوابت، مما يستوجب الحسم القضائي والتثقيف المجتمعي لضمان حماية الدين وحفظ استقرار الأمة.