مع تطور المجتمع السعودي وتوسع مفهوم المسؤولية الاجتماعية، برزت الحاجة إلى تنظيم الكيانات غير الربحية التي تمارس أنشطة إنسانية وتنموية في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق، جاء نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ليُرسي إطارًا قانونيًا متكاملاً ينظّم تأسيس الجمعيات الأهلية وآليات عملها، ويضمن التوازن بين حرية المجتمع في المبادرة والعمل الخيري، وبين متطلبات الحوكمة والرقابة.
أولًا: تعريف الجمعية الأهلية في النظام السعودي
يُستخلص تعريف الجمعية الأهلية من المادة (3) من نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والمادة المقابلة لها في اللائحة التنفيذية الصادرة عن المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. وبحسب هذه النصوص، تُعد الجمعية الأهلية كيانًا غير ربحي، منظمًا بطريقة مستمرة (لمدة محددة أو غير محددة)، وينشأ بمبادرة من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين (أو كلاهما)، بغرض تحقيق أهداف البر والتكافل أو غيرها من الأغراض المجتمعية والدينية والثقافية والتربوية وغيرها مما يحدده النظام واللائحة.
وقد أوردت اللائحة التنفيذية في مادتها الخامسة تعدادًا موسعًا لهذه الأنشطة، شملت: الخدمات العامة، الرعاية، الأنشطة التربوية، الشبابية، التقنية، التطوعية، حماية المستهلك، الاستجابة للكوارث، التنمية الأسرية، وغيرها من المجالات ذات الصلة بالعمل المجتمعي.
يتضح من ذلك أن النظام السعودي قد اعتمد تعريفًا مرنًا وشاملًا يراعي اتساع نطاق العمل الأهلي وتنوع أهدافه، مع الحفاظ على شرط أساسي وهو “عدم السعي للربح”.
ثانيًا: إجراءات تأسيس الجمعية الأهلية وشروطها النظامية
- شروط التأسيس حسب النظام
وفقًا للمادة (8) من النظام، يشترط لتأسيس الجمعية ما يلي:
- تقديم طلب تأسيس من عشرة أشخاص سعوديين على الأقل.
- أن يكون جميع المتقدمين ممن تتوافر لديهم الأهلية النظامية.
- خلوّ سجلاتهم الجنائية من أحكام نهائية مُخلّة بالشرف أو الأمانة (ما لم يُرد إليهم اعتبارهم).
- إرفاق نسخة من اللائحة الأساسية.
- ألا تخالف أهداف الجمعية الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب العامة.
كما ألزم النظام الوزارة بالبتّ في الطلب خلال (60) يومًا، ويُعد السكوت عنها بمثابة موافقة ضمنية، وتكتسب الجمعية الشخصية الاعتبارية بمجرد الموافقة.
- الإجراءات التفصيلية حسب اللائحة التنفيذية
وضّحت المواد (7 – 14) من اللائحة التنفيذية الإجراءات التفصيلية، والتي تشمل:
- تقديم الطلب عبر النموذج المعتمد من المركز الوطني.
- إرفاق المستندات النظامية للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين (مثل السجل التجاري، صك الوقفية، شهادة الزكاة، التأمينات).
- التحقق من صلاحيات المفوض بالتوقيع.
- معالجة الطلب داخليًا وإحالته للجهة الإشرافية.
- إصدار الترخيص بعد استيفاء المتطلبات.
كما أجازت المادة (10) من النظام إنشاء فروع للجمعية داخل المملكة، بشرط موافقة الوزارة، وتحديد طريقة تشكيلها واختصاصاتها.
ثالثًا: الهيكل التنظيمي للجمعية واختصاصاته النظامية
حدد النظام في المادة (11) الأجهزة التنظيمية الأساسية للجمعية، وهي:
- الجمعية العمومية:
تُعد السلطة العليا في الجمعية، وتضم المؤسسين والأعضاء النظاميين. وتُمارس عدة اختصاصات منها اعتماد الميزانية والقوائم المالية، انتخاب مجلس الإدارة، تعديل اللائحة الأساسية (في اجتماعات غير عادية)، والموافقة على تقارير الأداء. - مجلس الإدارة:
يُنتخب بالاقتراع السري من الجمعية العمومية، ويتولى الإشراف على إدارة الجمعية، وتمثيلها أمام الجهات الرسمية. ويجوز عزله من قِبل الوزارة عند ارتكاب مخالفات جسيمة. - اللجان الدائمة:
تُشكل بقرار من الجمعية العمومية أو المجلس، وتُحدّد اختصاصاتها بدقة لمنع التداخل في الصلاحيات. - الجهاز التنفيذي:
يُدير الأنشطة اليومية للجمعية ويُشرف على تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، ويعمل وفق صلاحيات محددة.
يلتزم مجلس الإدارة بتقديم تقرير سنوي مفصل خلال أربعة أشهر من نهاية السنة المالية، يشمل الأداء المالي والإداري، ويُرفق به تقرير المحاسب القانوني.
رابعًا: الرقابة النظامية والتدابير عند المخالفات
منح النظام الوزارة صلاحيات رقابية واسعة، ومن أبرزها:
- المادة (20): إلزام الجمعية برفع تقرير سنوي مفصل.
- المادة (23): منح الوزير صلاحية تعليق أنشطة الجمعية أو حلّها عند ارتكاب مخالفات تمسّ الشريعة، النظام العام، أو في حالات الفساد المالي والإداري.
كما أتاح النظام دمج الجمعية في جمعية أخرى أو إعادة تنظيمها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، ويُراعى في جميع الحالات اتباع الإجراءات النظامية وضمان العدالة في التقييم.
أرسى نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في المملكة العربية السعودية إطارًا متكاملًا لتنظيم العمل الأهلي وفق أفضل الممارسات القانونية والمؤسسية. ويُعد هذا النظام خطوة متقدمة في دعم المجتمع المدني، من خلال ضمان استقلالية الجمعيات، وتمكينها من العمل بحرية ومسؤولية، مع إحكام الرقابة والحوكمة على أدائها.
ومع تنامي الدور التنموي للقطاع غير الربحي في “رؤية السعودية 2030″، تبرز أهمية الإلمام بهذا النظام من قبل القانونيين، والمهتمين بالعمل المجتمعي، لضمان الامتثال وتعزيز الأثر الإيجابي للجمعيات في خدمة الوطن.