اتفاقيات عدم الإفشاء في النظام السعودي: الإطار النظامي وآثاره القانونية
تُعد اتفاقيات عدم الإفشاء (Non-Disclosure Agreements – NDAs) من الأدوات القانونية المعتمدة لحماية المعلومات الحساسة والسرية، وقد ازدادت الحاجة إليها مع تنامي بيئة الأعمال وتبادل البيانات، سواء في المجالات التجارية أو التقنية أو المهنية. وتمثل هذه الاتفاقيات أحد أبرز الوسائل لضمان المحافظة على الأسرار التجارية والمعرفة الفنية والمعلومات الإستراتيجية التي تُعد جزءًا من أصول الشركات وحقوق الأفراد.
وقد أولى النظام السعودي اهتمامًا خاصًا باتفاقيات عدم الإفشاء، حيث وردت أحكامها في عدد من الأنظمة مثل نظام العمل، نظام المنافسة، نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، بما يُعزز من فاعليتها كوسيلة قانونية لحماية المصالح المشروعة للأطراف.
أولاً: المفهوم القانوني لاتفاقيات عدم الإفشاء
تعريفها:
اتفاقية عدم الإفشاء هي عقد قانوني يُبرم بين طرفين أو أكثر، يلتزم بموجبه أحد الأطراف أو جميعهم بعدم إفشاء أو استخدام معلومات محددة يتم تبادلها خلال فترة الاتفاقية أو في سياق علاقة تعاقدية أو تفاوضية.
طبيعتها:
تُعد هذه الاتفاقية من العقود الرضائية التي تخضع للقواعد العامة للعقود في النظام المدني، وتستمد قوتها من قاعدة “المسلمون على شروطهم“، وتُعد ملزمة للطرف المُوقع، طالما لم تتعارض مع نص نظامي أو مبدأ من النظام العام.
ثانياً: تصنيفات اتفاقيات عدم الإفشاء
- اتفاقية أحادية الجانب:
يلتزم فيها طرف واحد بالحفاظ على سرية المعلومات المقدمة إليه من الطرف الآخر. - اتفاقية ثنائية الجانب:
يلتزم فيها الطرفان المتبادلان بالمعلومات بالحفاظ على سريتها. - اتفاقية متعددة الأطراف:
يلتزم فيها أكثر من طرف بالحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة في إطار تعاوني مشترك.
ثالثاً: كيفية إبرام اتفاقيات عدم الإفشاء
يمكن أن تُدرج اتفاقيات عدم الإفشاء ضمن بنود عقد رئيسي (كعقد العمل أو عقد الشراكة)، أو تُبرم في وثيقة مستقلة بذاتها. ويُشترط لصحة الاتفاق ما يلي:
- تحديد نوع المعلومات التي تُعد سرية.
- بيان مدة التزام السرية.
- تحديد الآثار المترتبة على الإخلال بالاتفاقية.
- وضوح القيود الزمنية والمكانية.
- التوقيع من الأطراف ذوي الصفة القانونية.
رابعاً: الإطار النظامي لاتفاقيات عدم الإفشاء في السعودية
- نظام العمل السعودي:
- المادة (65/6):
أوجبت على العامل حفظ الأسرار الفنية والتجارية والصناعية، وجميع الأسرار المهنية المتعلقة بالمنشأة. - المادة (83/2):
أجازت لصاحب العمل اشتراط عدم إفشاء أسرار العمل بعد انتهاء العلاقة التعاقدية، بشرط أن يكون الشرط محررًا ومحددًا من حيث الزمان والمكان ونوع العمل. - المادة (80/9):
خوّلت لصاحب العمل فسخ العقد دون تعويض في حال ثبوت إفشاء العامل لأسرار العمل.
- نظام المنافسة السعودي:
- المادة (13):
ألزمت أعضاء المجلس ومنسوبي الهيئة بالمحافظة على سرية المعلومات التي يحصلون عليها أثناء أداء مهامهم، ومنعت مشاركتهم في القضايا إذا كانت لهم مصلحة فيها. - المادة (24):
قررت غرامة لا تتجاوز مليون ريال على كل من أفشى سرًّا حصل عليه بسبب عمله في الهيئة، بقصد تحقيق نفع مادي أو معنوي.
- نظام مكافحة جرائم المعلوماتية:
- المادة (5):
جرّمت الدخول غير المشروع لتسريب أو تعديل أو حذف أو إعادة نشر بيانات خاصة، ونصت على عقوبة تصل إلى السجن أربع سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى العقوبتين.
خامساً: أهمية اتفاقيات عدم الإفشاء
تُعد اتفاقيات عدم الإفشاء ذات أهمية بالغة للأسباب الآتية:
- حماية الأسرار التجارية والمعرفة الفنية وبيانات العملاء.
- تعزيز الثقة بين الأطراف المتعاقدة.
- توفير أساس قانوني للمطالبة بالتعويض في حال الإخلال.
- ضمان عدم استخدام المعلومات بعد انتهاء العلاقة التعاقدية.
- حماية الحقوق الفكرية والمشاريع التجارية قبل إطلاقها.
سادساً: العقوبات المترتبة على الإخلال باتفاقيات عدم الإفشاء
يترتب على خرق التزام عدم الإفشاء عدة آثار قانونية، أبرزها:
- فسخ العقد دون تعويض في عقود العمل (المادة 80/9 من نظام العمل).
- المطالبة بالتعويض المدني عمّا لحق الطرف المتضرر من خسائر أو أضرار تجارية.
- فرض غرامات إدارية أو جزائية في حال تسريب المعلومات في نطاق الجهات الحكومية (المادة 24 من نظام المنافسة).
- تجريم جنائي وفقًا لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية في حال تم التسريب عبر الوسائل التقنية أو تضمن اختراقًا للأنظمة.
تمثل اتفاقيات عدم الإفشاء إطارًا قانونيًا راسخًا لحماية المعلومات الحساسة والسرية في العلاقات القانونية والمهنية والتجارية، وتُعد وسيلة فعالة لتعزيز مبدأ الثقة والالتزام بين الأطراف. وقد نظّم النظام السعودي هذه الاتفاقيات من خلال مجموعة من المواد النظامية في نظام العمل، نظام المنافسة، ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ما يؤكد على مدى أهميتها في البيئة العدلية والتجارية في المملكة.
وبناء عليه، يُوصى بـ:
- صياغة اتفاقيات عدم الإفشاء بدقة ووضوح.
- إدراجها في جميع العلاقات التعاقدية ذات الطابع الحساس.
- توعية الأفراد والمؤسسات بمخاطر الإخلال بها.
إن التزام الأفراد والمؤسسات بهذه الاتفاقيات يُعد ترجمة حقيقية لقيم الأمانة والاحترافية، ووسيلة فعالة لحماية الحقوق والمصالح في ظل التطور التقني والانفتاح الاقتصادي.