أولاً: الإطار الشرعي والنظامي
يستند نظام القضاء السعودي إلى مبادئ استقلال القضاء وضمان نزاهته، حيث نصت المادة الأولى من نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) بتاريخ 19/09/1428هـ على أن:
“القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء.”
كما نصت المادة الرابعة من النظام على:
“لا تجوز مخاصمة القضاة بسبب أعمال وظيفتهم إلا وفق الشروط والقواعد الخاصة بتأديبهم.”
وقد بيّنت لائحة التفتيش القضائي (22/07/1435هـ) هذه الشروط والآليات المتعلقة بالتفتيش والتحقيق مع القضاة ومحاسبتهم، ضمانًا للعدالة والانضباط في سير العمل القضائي.
ثانياً: الجهة المختصة باستقبال الشكاوى القضائية
عند توفر وقائع أو ملاحظات تتعلق بسلوك مهني غير منضبط أو إخلال بواجبات وظيفية من قاضٍ أو دائرة قضائية، تُرفع الشكوى إلى إدارة التفتيش القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء، الجهة النظامية المختصة بالتلقي والتحقيق في مثل هذه الشكاوى وفقًا للضوابط.
حيث تنص المادة الثامنة من لائحة التفتيش القضائي على:
“التفتيش القضائي إدارة قضائية رقابية في المجلس الأعلى للقضاء، تُعنى بالتفتيش والتحقيق والرقابة العامة على أعمال المحاكم وقضاتها وانتظام سير العمل وتطوير الأداء القضائي والارتقاء به.”
وقد أتاح المجلس الأعلى للقضاء خدمة الشكوى الإلكترونية عبر منصته، حيث يمكن للمستفيد تقديم شكوى إلكترونيًا ومتابعتها واستلام إشعاراتها بكل سهولة.
شروط تقديم الشكوى:
أن يكون للمشتكي حساب مفعّل في منصة أبشر.
يتم التحقق من القضايا إلكترونيًا دون الحاجة لإرفاق مستندات.
الموافقة على شروط استخدام الخدمة.
إرفاق المستندات المؤيدة للشكوى (إن وجدت).
يتم إغلاق الطلب غير المكتمل بعد 30 يومًا دون إكماله.
آلية معالجة الشكوى:
الفحص الأولي:
- يتم فحص الشكوى للتحقق من استيفاء الشروط الشكلية والموضوعية.
- في حال عدم استيفاء الشكوى للشروط، يمكن قبولها إذا تضمنت وقائع مهمة تستحق الفحص وفق تقدير الرئيس أو من ينيبه.
إحالة الشكوى:
- تُعرض الشكوى على لجان مختصة مشكلة لهذا الغرض.
- يكون التحقيق بواسطة مفتش قضائي أعلى درجة من القاضي المشكو في حقه، أو الأقدمية عند التساوي، أو يتم تكليف عضو من السلك القضائي من خارج الإدارة عند الحاجة.
التحقيق:
- التحقيق يتم بطريقة السؤال والجواب الكتابي المباشر.
- يوقع القاضي على إجاباته ويوقع المحقق على الأسئلة.
إجراءات بعد التحقيق:
- إشعار القاضي بالشكوى عند الاقتضاء ويطلب جوابه خلال 30 يومًا.
- تُرفع إجابته مرفقة بالمستندات إلى الإدارة.
- تتم دراسة الشكوى والرد، وترفع النتائج لرئيس الإدارة بمذكرة رأي خلال 15 يومًا من استلام الإجابة.
- إذا تبين ما يستدعي التحقيق، يتم رفع توصية للمجلس الأعلى للقضاء بطلب التحقيق مع تحديد المخالفات للنظر فيها.
(استنادًا إلى المادة 38 من لائحة التفتيش القضائي)
مدة معالجة الشكوى:
رغم عدم تحديد مدة نهائية صريحة، توضح النصوص التنظيمية تسلسل الإجراءات:
- 30 يومًا للرد من القاضي.
- 15 يومًا لدراسة الإجابة ورفع التوصية.
ما يعكس وجود إطار زمني منضبط في معالجة الشكاوى وفق آلية منظمة.
الإجراءات بعد التحقيق:
- إذا ثبتت المخالفة، يتخذ المجلس الأعلى للقضاء الإجراءات التأديبية المناسبة التي قد تصل إلى الفصل أو اللوم.
- كما تؤكد التقارير الإعلامية المتخصصة إصدار المجلس عددًا من القرارات التأديبية في قضايا أثبتت المخالفات النظامية، بما يعزز هيبة القضاء ويضمن نزاهته.
تجسد المملكة العربية السعودية نموذجًا متقدمًا في الشفافية والرقابة القضائية، حيث تُطبق أنظمة دقيقة تضمن:
استقلال القضاء.
محاسبة القضاة وفق ضوابط دقيقة دون المساس بضماناتهم الوظيفية.
تمكين الأطراف من تقديم الشكاوى والاعتراضات إلكترونيًا بسهولة ووضوح.
التزام العدالة والإنصاف وحفظ الحقوق وفق الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية.
ويؤكد هذا المسار المتكامل التزام المملكة وقيادتها الرشيدة بتعزيز مرفق القضاء كأحد ركائز استقرار المجتمع وأمنه، وتقديم العدالة للجميع دون تمييز، وحماية القضاء من أي تجاوزات، لتبقى المملكة في طليعة الدول التي تطبق مبادئ الحكم الرشيد المستمدة من الشريعة الإسلامية.